لماذا ترفض هذه الدول تعريف الارهاب..؟!
يمنات
صلاح السلقلدي
وقفت متعجباً من صيغة البيان الصادر عن شرطة العاصمة البريطانية لندن يوم حدوث العملية الإرهابية على مقربة من مبنى مجلس العموم قبل أيام، حيث قال: إن الشرطة تتعامل مع الحادث حتى الآن باعتباره عملاً إرهابياً حتى يثبت عكس ذلك! مبعث التعجب هو كيف سيكون هذا الحادث في نظر هذه الشرطة غير إرهابي وقد أوقع قتلى وجرحى وتسبب بأضرار مختلفة؟ فما هو الإرهاب في نظر بريطانيا وغيرها من دول العالم؟ وهل شرط أن يكون الجاني إسلامياً حتى نعتبر الفعل إرهاباً؟ وهل قتل عن قتل يفرق قانونياً وأخلاقياً؟
مما لا شك فيه أن البيان تعمد اختيار مفردة يربط بها المستمع بين الحادث وبين الإسلام. فهو استخدم كلمة إرهاب للدلالة على أن الحادث تقف خلفه جماعة إسلامية كما قد علق في ذهن المتلقي منذ سنوات، وفي حال ثبت أن ثمة طرفاً آخر هو من يقف وراءه فإن كلمة إرهاب تسقط تلقائياً وكأن الإرهاب ماركة إسلامية مسجلة. فحين قال البيان إنه سيتعاطى مع الحادث على أنه حادث إرهابي إلى حين، فهو قطعاً يقصد أنه قد افترض مقدماً أن ثمة عنصراً إسلامياً يقف خلفه، وفي حال لم يثبت ذلك فإن صفة الإرهاب لن يكون لها وجود وإن كانت أعداد الضحايا أضعافاً مضاعفة.
المؤلم أن الغرب كما هو الشرق والوطن العربي تحديداً أضحى يربط تلقائياً بين كلمة الإرهاب والمسلمين، ويرفض التعرض لإرهاب الدول (إرهاب دولة إسرائيل نموذجاً)، إلى درجة اقتران الواحد بالآخر – أي الإرهاب والمسلمين – عند كل حادث. لا شك أن كثيراً من العمليات الدموية التي تعصف بالعالم اليوم تقف خلفها جماعات تنتمي للإسلام، ومعروف منبعها والدول التي تمولها بالمال والفكر والسلاح والمذهب والإعلام وتوفر لها الغطاء السياسي (الجماعات المتطرف في سورية دليل على ذلك)، ولا يمكن أن توصف إلا بأنها جماعات إرهابية، ولكن بعد أن يتم الإتفاق على تعريف جامع لماهية الإرهاب، وماذا نعني بكلمة داعم للإرهاب ومموله وحاميه ومتستر عنه ومتعاون معه، وكيف نفرق بين العمل المشروع للدفاع عن النفس (المقاومة) للشعوب والأفراد وبين الإعتداء غير المبرر الذي سيكون اسمه إرهاباً وعدواناً يعطي المتضرر منه الحق المشروع بصده. وهذا ما ترفضه كثير من الدول، منها أمريكا وعدد من الدول العربية، التي تفضل أن تكيل بمكيالين وهي تتعاطى مع هذه المسألة الحساسة.
فمفردات من قبيل: إرهاب، وداعم للإرهاب، وممول للإرهاب، ومتعاون مع الإرهاب، ومن يأويه ويتستر عليه ويروج لأفكاره، باتت تستخدم من قبل كثير من هذه الدول بحق وبباطل بوجه الخصوم سواء أكانوا جماعات أو أفراداً أو شعوباً أو منظمات أو أنظمة حكم أو أفراداً وحركات مقاومة من المختلَف معهم سياسياً وفكرياً واقتصادياً وأيديولوجياً، أو بوجه دول تقاوم اعتداءات وغزواً عسكرياً لدول معتدية أخرى كما هو في لبنان وفي فلسطين من قبل إسرائيل، بل وفي كثير من الحالات بوجه جهات مالية وتجارية واقتصادية بغية الإبتزاز والتركيع.
فالإرهاب حتى اليوم لا توجد لديه أهداف متفق عليها عالمياً ولا ملزمة قانوناً، وتعريف القانون الجنائي له بالإضافة إلى تعريفات مشتركة للإرهاب تشير إلى تلك الأفعال العنيفة التي تهدف إلى خلق أجواء من الخوف، ويكون موجهاً ضد جماعة دينية أو سياسية معينة، وفيه استهداف متعمد أو تجاهل لسلامة المدنيين.
هذه الدول التي ترفض باستماتة مثل هكذا تعريف، برغم الإلحاح المتنامي الذي تطلقه عدد من المنظمات الحقوقية العمالية، تحرص على أن يظل مفهوم الإرهاب مفهوماً فضفاضاً وهلامياً، حتى تستخدمه ككروت حمراء في وجه كل من تختلف معهم، وحتى لا ينطبق عليها التعريف وتكون هي في دائرة الإرهاب. فكوريا الشمالية دولة إرهابية لامتلاكها سلاحاً نووياً، وإسرائيل حمامة سلامة وإن ضجت مصانعها بالقنابل النووية والذرية.
تعالوا نأخذ ثلاث دول في العالم هي التي ترفض بقوة فكرة تعريف الإرهاب، وهي أمريكا وإسرائيل والمملكة العربية السعودية. فأمريكا في حال تم الإتفاق على تعريف واضح للإرهاب، ستكون أول من يقع تحت طائلة المحاسبة القانونية الدولية. إذ يكفي أنها شنت حروباً عدوانية بدون وجه حق، وقتلت الآلاف، ودمرت مدناً في العراق مثلاً، ومثل هكذا فعل يكفي أن يدرج أمريكا ضمن خانة إرهاب الدولة الذي عرّفه بعض القانونيين بأنه كل فعل تمارسه دولة واحدة أو أكثر عن طريق تسخير إمكانياتها الدبلوماسية أو العسكرية لتحقيق هدف سياسي، أو الإستيلاء على مكتسبات أو ثروات غيرها من الدول. ثم من ينسى أن تنظيم “القاعدة” الذي يمثّل رأس حربة ما تسميه أمريكا ذاته بالإرهاب العالمي هو صناعة أمريكية خليجية مشتركة؟ ومن ينسى تواصلها المستمر مع حركة “طالبان”، والصفقات التي تمت بينهما لإطلاق معتقلين من جوانتانامو مقابل أسرى أمريكيين بوساطة قطرية. هذا علاوة على تهمة أخرى ستطال واشنطن، وهي دعم إرهاب دولة أخرى كإسرائيل وما تفعله في المنطقة، ناهيك عن الإعترافات الأمريكية ذاتها بإنشاء جماعات تعتبرها أمريكا نفسها إرهابية (كتاب الخيارات المتعددة لهيلاري كلينتون مفعم بمثل هذا).
وإسرائيل لا ترى في الإرهاب إلا معنىً واحداً، وهو ما تقوم به المقاومة الفلسطينية واللبنانية من عمليات مضادة لجيشها. وفي حال اتُقف على تعريف محدد للإرهاب – حتى لو كان قريباً من فهم إسرائيل لمعنى الإرهاب – فهي بالتأكيد ستمثل ثاني أكبر إرهاب دولة بعد أمريكا إن لم تكن قبلها، وسجلها الإجرامي ينضح إرهاباً وعنفاً.
السعودية، هي الأخرى، تعتبرها كثير من دول العالم، بمن فيها أمريكا حليفها الاستراتيجي، مخزون الإرهاب الإسلامي وموئله ومموله ومصدره الفكري المتطرف. وحتى الحليف الأوروبي لا يتردد في نعتها بالدولة الإرهابية، فنائبة رئيس البرلمان الألماني، كلوديا روث، أكدت، مؤخراً، أن “السعودية أكبر مصدّر للإرهاب في الشرق الأوسط”، مطالبةً بوقف بيع الأسلحة للرياض. روث أشارت إلى أن أغلب الجماعات المسلحة التي تتواجد حالياً في أفغانستان، سوريا والعراق قد جاءت من السعودية، وهذا ما تؤكده العديد من التقارير الصادرة عن السعودية نفسها بشأن انضمام عدد كبير من السعوديين إلى صفوف الجماعات المسلحة، فضلاً عن البيئة الحاضنة والدعم الإقتصادي الذي يُقدم للإرهابيين من قبل السعوديين. بل إن الكاتب السعودي داوود الشريان قد شن، في برنامجه “الثامنة” على قناة “أم بي سي”، قبل فترة، هجوماً حاداً على بعض الدعاة السعوديين، متهماً إياهم بالزج بالشباب السعوديين في الحرب في سورية، وخص بالذكر الشيخ محمد العريفي، وسلمان العودة وسعد البريك، وقال: “أنتم من غرر بأبنائنا ويجب أن تحاسبوا ويحاسبكم المجتمع”.
زد على ذلك أن السعودية ذاتها ستكون تحت طائلة القانون بتعاونها وإمدادها بالسلاح جماعات كانت هي نفسها صنفتها إرهابية، كحركة “الإخوان المسلمين” الدولية. فالرياض اليوم، جنباً إلى جنب مع الدوحة واسطنبول، أضحت قِبلة لرموز “الإخوان” العالمية، التي أدرجتها كثر من الدول في خانة الإرهاب، مع تذكيرنا مرة أخرى أنه حتى الآن لم يتم تعريف محدد للإرهاب، مما يعني أن الإرهاب الحقيقي ومن يستفيد منه سيظلون مستفيدين من هذا الوضع حتى وقت غير معلوم.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا